حسن محمد زين
2011-06-16
أيام قلائل ويتم إعلان مولد دولة جنوب السودان، وهى ولادة تمت بيسر من رحم السودان الكبير، الذي تحمل كل آلام المخاض العسير ونحمد الله أن الاستفتاء تم بسلام واختار الإخوة في جنوب السودان الخيار الذي يرونه أصلح لحالهم تحقيقا لذاتهم من جهة وإنشاء لدولة يرون أنها كانت فردوسا مفقودا لحين من الدهر. وهاهو الشمال قد أوفى بعهده وحزم أمتعته رغم الأسى الذي يضج في بعض النفوس.
الإخوة الجنوبيون كانوا إلى أن تم الاستفتاء يعتقدون أن كل مشاكلهم سببها الشمال، وهاهو الشمال قد رفع يده عن الجنوب منذ ستة أعوام، وحكم الجنوبيون أنفسهم بأنفسهم والنتيجة واضحة للعيان فالحركة الشعبية أوصلتهم إلى الحرب الأهلية التي تستعر نيرانها الآن في الجنوب وتحصد أرواح الأبرياء بالمئات وإذا استمر الحال على ماهو عليه فإن القارة للأسف موعودة بعودة مسلسل الرعب الذي كان أبطاله الهوتو والتوستي وأنباء الأمس تفيد بأن الإخوة الأعداء دخلوا إلى حيز المعارك العنيفة الواسعة ليرتفع عدد الضحايا إلى أرقام لم تبلغها المعارك حين كانت تدور رحاها بين الجيش السوداني والمتمردين، وهذا مؤشر خطير يدل على أن القادم أفظع، ويؤكد بلا أدنى شك أن الجيش السوداني كان صمام أمان ضد الحرب الأهلية في الجنوب.
نحن هنا لسنا في مقام الشماتة فحتى هذه اللحظة فإن الجنوب مازال رسميا ومن الناحية العملية جزءا من السودان الكبير، ومن هذا الباب فإن ما يدور فيه يحزننا غاية الحزن لأننا ندرك تماما أن استقرار الجنوب هو استقرار للسودان ولكل دول الجوار وأي مشاكل تحدث هناك سوف تنعكس سلبا على جيرانه وفي الماضي كان الجنوبيون يفرون من الجنوب للشمال للاحتماء به وبلوغ المأمن وكان ذلك شيئا طبيعيا يؤكد أن الشمال لم يكن عنصريا ولم يكن عدوا غاصبا بل تميز عن كل شعوب العالم بتعامل إنساني راقٍ لو أنصفنا العالم لمنح الشعب السوداني جائزة نوبل للسلام لأنه ما من حرب أهلية استقبل فيها أحد الأطراف لاجئين من الطرف الآخر ووفر لهم الملاذات الآمنة بل أعطاهم كل حقوق المواطنة من حرية العمل والحركة والتعبير.
إننا على ثقة أن الأيام سوف تثبت للجنوبيين أن الحركة الشعبية قد أوردتهم موارد التهلكة بخياراتها التي ساقت إليها الناس، وقد بدأ جليا أن الحركة لم تعد حركة خلاص وطني بل رهنت كل إرادتها للأجنبي وقد تجلى ذلك في عدم إنفاذ أي أجندة وطنية والعمل على الهيمنة على كل مقاليد الأمور والتضييق على الآخرين، وبالطبع فإن ذلك ينشأ عندما يكون النظام فاسدا وهو يعتقد انه بذلك يحمي نفسه ونحن هنا لم نعد بعد التاسع من يوليو معنيين بما يجري هناك إلا بالقدر الذي يؤثر على استقرار وأمن بلادنا، وهذا ما يدفعنا لتحذير الإخوة في جنوب السودان من مغبة أفعال الحركة الشعبية التي تسعى لأن تكون دولة مؤثرة تملك كروت ضغط على الآخرين لاستخدامها ضدهم فهي ترعى بعض متمردي دارفور لإنفاذ أجندة أجنبية ناسية أن بيتها من زجاج وقد اثبت الثوار الجنوبيون الذين يبحثون عن العدالة والحرية مدى هشاشة الوضع هناك.
لقد قلنا مرارا إن الدولة الجديدة في حاجة إلى الاستقرار ولكن كيف تحصل عليه وهى توجه مواردها نحو فئات معينة وتنحاز لقبائل بعينها دون النظر لمشاكل الحياة اليومية والتنمية التي يحتاجها إنسان الجنوب لينعم في وطنه الذي اختاره وكنا نتمنى أن تلتفت الحركة الشعبية وتوجه كل قدراتها لبناء الجنوب بدلا من إضاعة الوقت في الكيد للشمال و(الحفر) للإيقاع به وتدميره أن استطاعوا إلى ذلك سبيلا ولا نملك في الختام إلا أن نقول للحركة الشعبية ذلك المثل المعبر الذي يقول: "يا حافر حُفرة السوء وسِّع مراقدك فيها" وقد يدرك الجميع أن قرار الانفصال من أساسه كان خطأ كبيرا وقع فيه البعض وقد فات أوان علاجه.